هناك دراسة مهمة تم الإعلان عن نتائجها في المؤتمر العلمي السنوي لرابطة السكري الأمريكية بتاريخ 13 من شهر يونيو 2016 م. بـ "نيوأورليانز" (New Orleans). وتم نشر البحث في المجلة الطبية (The New England Journal Of Medicine) في نفس اليوم على الإنترنت.
إسم هذه الدراسة هو الـ "LEADER"، وقد جرت العادة على تسمية الدراسات بإسم مختصر (وهو مركب من الأحرف الأولى من كل كلمة من كلمات الإسـم الطـويل)، حيث أن الإسم الطويل لهذه الدراسة هو:
" Liraglutide Effect and Action in Diabetes: Evaluation of Cardiovascular Outcome Results".
في الحقيقة من أهم مضاعفات عدم التحكم الجيد في الإصابة بالسكري هو حدوث تصلب الشرايين والمشاكل المصحوبة له مثل الذبحة الصدرية أو النوبة القلبية أو جلطة الرأس ...إلخ. وهذه المضاعفات بمفردها تشكل حوالي 70-80% من أسباب الوفيات للمصابين بالسكري.
ولسنوات كثيرة نجحت أدوية علاج السكر بالدم في التحكم في السكر بالدم وتنقيص كل مضاعفات السكري وبقيم أحصائية مهمة مثل منع حدوث "كلى السكري" و "شبكية السكري" و "أعصاب السكري". وبنسب إحصائية مهمة.
وكذلك كان هناك نقص في "مشاكل القلب والدورة الدموية" ولكن ليس بالنسب الأحصائية المهمة.
فأصبح العلماء يحاولون البحث عن الدواء الذي يعمل على التحكم الجيد في سكر الدم ، وكذلك يحمي المصاب بالسكري من مشاكل القلب والدورة الدموية. والذي بدوره سيعلب الدور الأساسي في علاج السكري.
في السنة الماضية ظهرت نتائج دراسة مهمة حيث أستطاع دواء "Jardiance" أن يثبت أنه نجح في الحماية من مشاكل القلب والدورة الدموية بنسب إحصائية مهمة وأرتفعت أسهم ذلك الدواء وأصبح الآن من أهم أدوية علاج السكري النوع الثاني ولكنه غالي الثمن.
وفي هذا الشهر تم الأعلان عن نتائج دراسة "LEADER" حيث نجح دواء الليراقلوتايد المعروف بـ "الفكتوزا" كذلك في الحماية من مشاكل القلب والدورة الدموية بنسب إحصائية مهمة.
في الحقيقة هذا النجاح جعل الكثير من الأطباء يفكر بأنه هناك "طريقة ما" للحد من مشاكل القلب والدورة الدموية بإستخدام علاجات التحكم في السكر بالدم ووجب البحث عنها ولا يبنغي علينا التفكير فقط في علاج "إرتفاع السكر بالدم" ، فالأولوية هو للأدوية التي تعالج إرتفاع السكر بالدم وتحمي القلب والدورة الدموية والقلب.
فأصبح لدينا الآن ثلاث أدوية أثبتت فعاليتها في هذا الشأن وهي أقراص الجارديانس "Jardiance" وحقنة الـ "الفكتوزا" وأقراص "الأكتوس". سنتحدث عن الأكتوس في مقالة قادمة. ولكن يبدو أن القائمة ستطول بعد أن أصبح الضوء مسلط على سلامة القلب والشرايين للمصابين بالسكري النوع الثاني.
كما هو معلوم ومتفق عليه فإن دواء "الميتفورمين" يُعتبر الخيار الأول للمصابين بالسكري النوع الثاني، وأهمية هذه النتائج هو تسهيل عملية إختيار الدواء التالي عندما لا ينجح "الميتفورمين بمفرده" في التحكم في سكر الدم. حيث أنه ما زالت كل الخيارات مفتوحة لإخيتار أية نوع من العلاجات المتوفرة لعلاج النوع الثاني من السكري. ولكن بعد هذه النتائج فإنه أصبح دواء مثل "الجارديانس" أو "الفكتوزا" هما الأقرب كخيار ثاني للمصابين بالنوع الثاني من السكري.
نرجع الآن لدراسة الـ (LEADER) فأكثر من 9000 مصاب بالسكري النوع الثاني كانوا ضمن الدراسة والتي أستمرت لحوالي 5 سنوات. حيث تم دراسة دواء الليراقلوتايد المعروف بالـ "الفكتوزا" وحمايته للقلب والدورة الدموية بالإضافة إلى مفعوله في تحكمه في السكر بالدم. وفي الحقيقة النتائج كانت إيجابية جداً لدواء الفكتوزا في هذه الدراسة، حيث كان هناك نقص في الوفيات وأمراص الجهاز الدوري والقلب وبنسب إحصائية هامة إذا ما تم مقارنة إضافة دواء الفكتوزا لأدوية علاج السكري ومقارنته مع إضافة دواء "وهمي" (Placebo) لأدوية علاج السكري.
ولكن كان هناك شيء أدى إلى "تعكير صفو" النجاح التي تحصل عليه هذا الدواء في هذه الدراسة. فما هو ذلك الشيء؟
جرت العادة على قبول "وبصورة ليست مرضية للجميع" وعند إختبار أية تدخل علاجي ومقارنته بدواء وهمي (Placebo) أن يكون المستفيد من هذا التدخل العلاجي على أقل تقدير 1 من 50 مريض إستعملوا الدواء الذي تم إختباره. وهذا ما يُعرف في الأبحاث الطبية بالـ (Number to Treat) .
ففي دراسة الـ (LEADER) فأنت بحاجة إلى علاج 66 مصاب بالسكري النوع الثاني بالــ"فكتوزا" وذلك لمنع حدوث نوبة قلبية واحدة فقط، وأنت بحاجة إلى علاج 98 مصاب بالسكري النوع الثاني بالـ "فكتوزا" لمنع حدوث حالة وفاة واحدة فقط بسبب أمراض القلب والشرايين. وذلك بالمقارنة مع المجموعة التي تناولت الدواء الوهمي، وهذا العدد (أي عدد الذي يجب علاجهم) يعتبر عدد كبير جداً.
نأتي الآن للنقطة وهي لماذا هذا الأمر قد "عكّر صفو " هذه النتائج، لنتذكر أن دواء الفكتوزا "غالي جداً" ، فبالرغم من العدد الكبير "الواجب علاجه" بالفكتوزا للحصول على نتائج جيدة بخصوص الحماية من أمراض القلب والشرايين فإن هذا لا يُشكل مشكلة على المصابين بالسكري والذين لديهم تأمينات صحية لتغطية تكاليف علاجاتهم، ولكن في الحقيقة فإن هذا العدد الكبير من "الواجب علاجهم" بالفكتوزا سيكون عثرة في طريق وصفه وإعطائه للذين ليس لهم تأمين صحي لتغطية علاجاتهم ولن يكون من السهل القيام بذلك.