العلماء يحاولون بكل ما أوتوا من جهد للعمل ويبحثون على "ما بعد" إستخدام "الإنسيولين" لعلاج السكري، ولكن في "عالم السكري" فإن إستخدام "الإنسيولين" لعلاج السكري يُعتبر "الأعجوبة" أو المعجزة الطبية.
قبل سنة 1921 م. (أي قبل البدء بإستخدام الإنسيولين لعلاج السكري)، كان المصابون بالسكري (وبالأخص النوع الأول من السكري) لا يعيشوا كثيراً بعد أن يتم تشخيصهم بالسكري ولا يوجد الكثير من الأشياء التي بإمكان طبيبهم القيام بها عدا "تجويعهم" ، أي عدم السماح لهم بالأكل حتى لا يرتفع السكر بالدم لديهم، فــ "التجويع" كان العلاج الوحيد المستعمل حتى يتمكن المصاب بالسكري للعيش بضعة سنوات أخرى قبل أن يقضي عليه السكري في غضون 3-4 سنوات من تشخيص إصابته بالسكري. ومع إستخدام الإنسيولين اليوم فإنه بالإمكان التعايش بسلام مع السكري، ومن المصابين بالسكري من بلغ أكثر من 80 سنة من العمر ومنهم من إستعمل الإنسيولين لأكثر من 70 سنة.
وسنرجع لأكثر من 100 سنة للوراء (للقرن التاسع عشر)، وسنتعرف على من هم العلماء؟ وماذا كان دورهم؟ وسنتتبع كيفية وصولهم لإستخدام الإنسيولين؟.
- في سنة 1869 م. وبينما كان طالباً بالجامعة، إستطاع الألماني (بول لا نجرهانز "Paul Langerhans") أن يكتشف وجود تجمع لخلايا كـ"جـُزر" بداخل الخلايا الأخرى للبنكرياس وذلك بإستخدام الميكروسكوب المكبّر، ولكنه لم يستطيع تحديد وظيفتها. وقد تم تسمية تلك الجـُزر من الخلايا بإسمه فأصبحت تُسمى "جزر لانجرهانز"
- في سنة 1889 م. عالمان ألمانيان آخران إسمهما (أوسكار منكوفسكي "Oskar Minkowski") و (وجوزيف فون ميرينغ "Joseph von Mering") لاحظوا ظهور أعراض مشابهة لأعراض مرضى السكري وذلك بعد إزالة "البنكرياس" لأحد الكلاب وقد مات الكلب بعد ذلك بأيام قليلة، فهذه التجربة أدت إلى ظهور فكرة أن هناك "مادة بالبنكرياس" يتم إفرازها لمنع ظهور أعراض السكري.
- بعد ذلك إنحصر تحديد مكان إفراز هذه "المادة التي بالبنكرياس" على أنه بالــ "الجُزر" الموجودة بالبنكرياس.
- في سنة 1910 م. العالم الإنجليزي (السير إدوارد ألبرت شاربي-شافر "Sir Edward Albert Sharpey-Schafer") وضع نظرية ، وأقترح على أن السبب في مرض السكري هو مادة واحدة فقط تُفرز من جزر لانجرهانز وقد أطلق عليها إسم "الإنسيولين" وهو إسم مشتق من اللغة اللاتينية ويعني "الجُزر".
فما الذي حدث بعد؟
- الذي حدث يُعتبر معجزة طبيية وذلك في سنة 1921 م. حيث أستطاع العالم الكندي (فريدريك بانتينك "Frederick Banting") ومساعده الكندي (تشارلس بيست "Charles Best") إستخلاص الإنسيولين من بنكرياس أحد الكلاب، والمشككون آنذاك قالوا ما هذه المادة البنية الكثيفة والتي تبدو أنها قاذورات؟ إلا أنهم (أي هؤلاء المشككون) لم يكونوا على علم بأن هذه المادة ستؤدي إلى إحياء الأمل لحياة الملايين من مرضى السكري.
تمت تجربة هذا الإنسيولين "المستخلص" من بنكرياس أحد الكلاب، وتمت تجربته لأحد الكلاب الذين لديهم مرض السكري وأستطاع الكلب أن يعيش لمدة 70 يوم ومات الكلب فقط عندما لم يتوفر له الإنسيولين الكافي فقد تمت الكمية التي تم إستخلاصها. ومع هذا النجاح إستطاع فريدريك بانتيك ومساعده وبمساعدة بقية العلماء من تنقية الإنسيولين أكثر وأكثر وقاموا بإستخلاص الإنسيولين هذه المرة من الماشية وليس الكلاب.
- في سنة 1922 م. وبالتحديد يوم 23 ينايركان هناك طفل على وشك الموت بسبب مرض السكري عمره 14 سنة ، وإسمه (ليونارد تومسون "Leonard Thompson") وهو من قام بإستعمال الإنسيولين لأول مرة على البشر (الموضح بالصورة المرفقة للمقالة). وبعد 24 ساعة من إخذه للإنسيولين إنخفض السكر بالدم لـــ ليونارد تومسون بعد أن كان عالياً جداً إلى معدلات أقرب للطبيعية.
الخبر والقصة إنتشرت كإنتشار النار في الهشيم. وفي سنة 1923 م. تحصل العالم فريدريك بانتيك ومساعده على جائزة نوبل في الطب، فــ شكرا لكم أيها العلماء.
وبعد ذلك بفترة وجيزة إستطاعت شركة الأدوية "إيللي ليللي" العمل على إنتاج كمية كبيرة من الإنسيولين ونجحت في توفيره لأمريكا الشمالية ، وبعد ذلك بدأت أيضاً شركة "نوفونورديسك" في العمل على إنتاج الإنسيولين. وكانت الشركات المصنعة للإنسيولين تقوم بإستخلاص وتنقية الإنسيولين والذي مصدره "حيواني" أي من الماشية والخنازير.
وكان هناك مشكلة مع الإنسيولين المستخلص من الحيوانات وهي "الحساسية للإنسيولين" إلى أن عملت شركة "إيللي ليللي" في سنة 1978 على إنتاج إنسيولين مشتق من "البكثيريا" وهو مشابة للإنسيولين البشري وذلك بإستخدام تقنية "الهندسة الوراثية" وبعد أن تم تجربته على البشر وإثبات نجاحه وعنصر الآمان به، أصبحت الشركة تبيع في الإنسيولين البشري المصنع بإستخدام تقنية الهندسة الوراثية سنة 1982 م.
وأصبح لدينا الآن الأنواع الكثيرة والمتعددة من الإنسيولين , ليس الإنسيولين البشري فقط بل هناك أيضاً الإنسيولين الشبيه وهو أفضل نسبياً من الإنسيولين البشري وأصبح لدينا بالإضافة إلى العبوات فإن هناك أقلام الإنسيولين والتي تجعل إستخدام الإنسيولين أسهل، وكل ذلك بفضل ثمرة العشرات من السنوات والعقود من الأبحاث الطبية في مجال إكتشاف وإستخدام الإنسيولين.