إحدى الأخوات المتتبعات لأخبار السكري ترغب أكثر في رؤية مواضيع عن سُبل علاج الإصابة بالسكري "الحديثة" والعمل على توفيرها في منطقتنا العربية بدلاً من الحديث عن الواجبات التي تقع على عاتق المصاب بالسكري وأفعل ولا تفعل وعن خطورة الإصابة بالسكري فإن هذا يزيد من الشعور بالإحباط لدى المصابون بالسكري. كما أنها تشعر بأن المصابون بالسكري مهضوم حقهم في الحصول على الرعاية الصحية كما ينبغي لهم وأننا كمسؤلون على توفير الرعاية الصحية للمصابين بالسكري "مقصرين في حقهم" من حيث توفير العلاجات الحديثة مثل الخلايا الجذعية والحقنة الإسبوعية...وغيرها.
في الحقيقة لم أكن مستغرب ولم أتفاجأ من مثل هذه الإنفعالات والشعور بالإحباط والملل تجاه ما نقوم به من توصيات وإعطاء النصائح بخصوص التعامل مع الإصابة بالسكري. فالنفس "بطبيعتها" لا تحب النصائح وخاصةً تلك التي بها "أفعل .. لا تفعل". ولكن ما العمل؟
فالإصابة بالسكري بنوعيه الأول والثاني ليس لهما علاج شافٍ، والمصاب بالسكري يريد "علاج شافٍ" ولكن أقول وأكرر أنه لا يوجد علاج شافٍ لكلى النوعين. فالخلايا الجذعية لا زالت طور الأبحاث والحقنة الإسبوعية بدأت بعض الدول العربية كالإمارات العربية بتوفيرها.
ربما المصاب بالسكري يرغب في إستماع عبارات مثل:
1- السكري لديك بسيط وهامشي.
2- السكري "مرض العصر".
3- السكري يُعتبر صديق الإنسان.
4- حافظ على الأكل والرياضة وإستخدم هذا الدواء وكل شيء سهل.
5- مضاعفات السكري نادرة الحدوث.
6- كثير من الذين عندهم السكري وعايشين تمام تمام بدون متابعة.
7- لا تفكر كثيراً في السكري لأنه لا يريد الإنفعالات والتوتر.
فهذه العبارات هي مفاهيم خاطئة عن الإصابة بالسكري. فإذا كنت تريد أن تسمع مثل هذا الكلام أو أنك تعتقد أن هذه هي الإصابة بالسكري فأنظر إلى هذه الأرقام "العلمية" وتأمل بها (وهي بالمناسبة أرقام إحصائية من الواقع الأمريكي حيث الرعاية الصحية الجيدة):-
1- السكري في المرتبة الخامسة كمسبب لوفاة البشر. وحالياً السكري ليس له دواء شافي. والدواء المستخدم حالياً هو لمحاولة الحد من مضاعفاته والعمل على توفير حياة صحية أفضل.
2- منذ سنة 1987 معدل الوفيات نتيجة السكري زادت بنسبة 45 % ، بينما معدل الوفيات لأسباب أخرى مثل جلطة الرأس ، أو أمراض القلب ، أو السرطانات (الأورام) .. كلها في نقصان.
3- على مستوى العالم يوجد هناك حوالي 246 مليون نسمة مصاب بالسكري، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 380 مليون نسمة بحلول العام 2020.
4- في أمريكا وبالتحديد في سنة 2002 تم إنفاق مصاريف على علاج المصابون بالسكري بقيمة 92 مليار دولار، كمصاريف مباشرة لعلاج السكري. إجمالى المصاريف في الحقيقة لسنة 2002 كان 132 مليار دولار ، فبالإضافة إلى 92 مليار دولار كمصاريف مباشرة ، أُنفق حوالي 40 مليار دولار كمصاريف غير مباشرة مثل ثأثير الإعاقات على الإنتاج، فقد الوظائف ، والموت المبكر.
5- السبب الأول في فقد البصر لدى الأعمار التي تتراوح من 20 – 74 سنة هو نتيجة ((عدم التحكم الجيد)) في السكري.
6- السبب الأول في الفشل الكلوي هو نتيجة ((عدم التحكم الجيد)) في السكري.
7- نسبة الوفاة نتيجة أمراض القلب حوالي 2 -4 أضعاف المرات للكبار المصابون بالسكري إذا قورنت بنسبة الوفاة لغير المصابون بالسكري.
أرجو المعذرة ولكن بالرغم من هذه الإحصائيات المؤلمة ، إلا أن الأمل في الحد من هذه المخاطر قائم ، ويعتبر السكري من الإصابات الخطيرة (( والقليلة )) التي بإمكاننا أن نسيطر عليها ونحد من خطورتها، بل ومن الوقاية منها.
إختي الفاضلة... السكري يختلف عن بقية الإصابات والأمراض، فإن هناك الكثير من العوامل المتغيرة للمصابين بالسكري فهناك الطفل والبالغ، الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والمرأة الحامل والمرأة غير الحامل، والمريض الكثير السفر والترحال والمريض المقيم وقليل الترحال، المثقف والغير مثقف، المهتم بصحته والغير مهتم بصحته. والمصاب بالسكري الكثير الحركة بطبيعة عمله والمصاب بالسكري القليل الحركة، ...إلخ إن السكري يختلف عن بقية الإصابات والأمراض فكل عامل من العوامل المذكورة (وهي أمثلة فقط) لها تأثير مباشر لكيفية السيطرة على الإصابة بالسكري ولا توجد "طريقة واحدة" ملائمة لكل هذه الفئات. وحتى يزداد الأمر وضوحاً لنفترض أن هؤلاء لديهم (إلتهاب رئوي) وهو مرض مهم. فالطريقة المناسبة والفعالة لكل هذه الفئات "واحدة" وهو المضاد الحيوي عن طريق الوريد لمدة عشرة أيام أو إسبوعين وأنتهي الأمر. أليس كذلك؟ ولكن لعلاج إصابتهم بالسكري لهذه الفئات من المجتمع فإنك لن تجد طريقة واحدة لعلاجهم، فكل شخص منهم بحاجة إلى أن تبحث له عن "رعاية تناسبه هو" وذلك بالأخذ في الإعتبار عدة أمور. مثل العوامل المذكورة أعلاه.
أختي الفاضلة... إن هدف علاج الإصابة بالسكري حالياً هو "الوقاية من حدوث المضاعفات ... أُعيد وأكرر الوقاية ... الوقاية .. الوقاية". عندما تتمكن المضاعفات المزمنة من الشخص المصاب بالسكري مثل الفشل الكلوي أوقصور الشرايين التاجية أوفقد البصر فإنه لا يصبح لدينا إلاّ القليل لتقديمه للمصاب بالسكري من حيث العلاج المتوفر حاليا. بالطبع المصاب بالسكري الذي "يقرأ عن خطورة السكري وعن النصائح الواجب إتباعها" والذي يعتقد إن هذا أمر له مردود سلبي على صحة المصاب بالسكري بدلاً من المردود الإيجابي الذي نأمله والذي ثبث علمياً، .. فلمثل هذا الشخص نقول له:-.. إذهب إلى قسم غسيل الكلى ومراكز زراعة الكلى، وأذهب إلى قسم العلاج بالليزر للعيون، وأذهب إلى قسم القسطرة للقلب والشرايين .. ثم أسأل عن المصابين بالسكري هناك. وقل لهم: عندما تم تشخيص السكري لديكم هل قمتم بالبحث عن الطرق العلمية للتعامل مع الإصابة بالسكري وهل قمتم بتعلم المهارات الأساسية للتعامل مع الإصابة بالسكري حتى تتفادوا هذه المضاعفات؟ وهل قمتم بمتابعة التحليل التراكمي وقياس ضغط الدم وقياس الدهون بالدم والمتابعة الطبية المنتظمة، ... إلخ، سيقولون لك يا ليتنا وجدنا من يعلمنا. ويا ليتنا وجدنا من يؤنبنا على إهمالنا وتقصيرنا في التعامل مع الإصابة بالسكري، يا ليتنا وجدنا من يُرهبنا ويخوفنا من السكري... هذا ما سيقولنه لكِ. فالمصاب بالسكري يجب أن يخاف من السكري ولكن "الخوف الإيجابي" أي يجب أن يعمل على تعلم كيفية الهروب من مضاعفاته. كيف؟ بتحقيق الأهداف الثلاث وهي تحليل تراكمي أقل من 7% ، ضغط دم أقل من 140/90 مم. زئبق وكوليسترول سيء أقل من 100 ، ولن يستطيع تحقيق ذلك إلا بالمتابعة مع أخصائي سكري على الأقل مرة كل 3-6 أشهر.
نقطة أخيرة بخصوص هذا المقال وهو أنه صحيح في الدول المتقدمة هناك العديد من الخيارات العلاجية الغير متوفرة لدى المصابين بالسكري في الدول العربية. ولكن الخبر المفرح للمصابين بالسكري في منطقتنا هو وجود وتوفير الإنسيولين البشري والإنسيولين الشبيه وأجهزة قياس السكر بالدم كذلك موجودة. وقد أثبثت الأبحاث العلمية أنه بإستخدام هذه الوسائل "فقط" (أي دون الحاجة إلى المضخات والأدوية الحديثة الأخرى) فإنه بإستخدام هذه الوسائل فقط فإنه يمكنك التحكم بالسكري بدرجة جيدة جداً وتفادي معظم المضاعفات المزمنة.
فالمصاب بالسكري يجب أن يُركز على كيفية الإستفادة "القصوى" بما متاح له حالياً، حتى عندما يحين الوقت ((لإستخدام أشياء حديثة أو سُبل علاجية شافيه)) فإنه يجد نفسه مؤهل للإستفادة منها، أمّا إذا أهمل نفسه الآن بحجة أنه لا يوجد علاج شافي أو لا توجد رعاية صحية (جيدة في منطقته) أو لا توجد أدوية حديثة أو لم تتاج له فرصة إستخدام مضخة الإنسيولين، فإن إهماله هذا سيجعله "لقمة سائغة" لهجوم مضاعفات السكري المزمنة عليه، وبالتالي فلن يكون مؤهل لإستخدام "العلاجات الشافية" التي ربما سيكتشفها العلم في المستقبل لأنه سيكون قد سبق السيف العذل وقد تمكنت مضاعفات السكري منه لدرجة أنه لم تعد هناك أية فائدة من أية وسيلة "علاجية شافية". فيجب التركيز على ما هو متاح حالياً من أدوية وإمكانيات وذلك للسيطرة على الإصابة بالسكري ومحاولة التعايش معه بسلام (وبإمكانك ذلك) وهذه الأدوية واالإمكانيات علاجات فعالة وممتازة لو تمكن المصاب بالسكري بتعلم مهارات الإستفاذة منها. فلا تضيع الوقت في إنتظار العلاج الشافي، بل حاول أن تستفيذ مما متاح لك الآن لكي تضمن الإستفاذة من العلاجات الشافية القادمة إن شاء الله.